قصة موسى عليه السلام
تعد قصة نبي الله موسى عليه السلام واحدة من أبرز وأهم القصص القرآنية التي تروي رحلة نبي الله من طفولته حتى نبوته، ومن مواجهة الظلم والطغيان إلى تحرير بني إسرائيل من عبودية فرعون. تمتاز القصة بتفاصيلها العميقة التي تتناول معاناة شعبه وقوة إيمانه، وكذلك المواقف العديدة التي أظهر فيها موسى حكمة وصبرًا في مواجهة التحديات العظيمة التي اختبره الله بها. لذلك، يعتبر فهم قصة موسى عليه السلام من أعظم القصص التي تبين كيف يمكن للإنسان أن يواجه أقوى التحديات بالعزيمة والإيمان بالله.
1. ولادة موسى عليه السلام والنشأة
ولدت موسى عليه السلام في وقت كان فيه فرعون مصر قد أصدر أمرًا بقتل كل مولود ذكر من بني إسرائيل خوفًا من أن يخرج منهم من يهدد سلطته. كان فرعون يعاني من القلق والتهديد نتيجة نبوءة تنبأت أن من بني إسرائيل سيولد طفل يطيح بحكمه. وبينما كان الوضع في غاية الصعوبة، وُلد موسى عليه السلام في هذا الوقت العصيب.
أمرت والدته بأن تلقيه في اليم (النهر) بعد أن ألقى الله في قلبها الإيمان بأن الله سيحفظه. كان ذلك بفضل توجيه الله الذي قال لها: “وَأُلْقِي فِي الْيَمِّ فِي السَّاحِلِ” (القصص: 7). أخذت والدته هذا القرار رغم الخوف، وألقت به في النهر وهو حديث الولادة، وفي نفس اللحظة ألهم الله تعالى أخت موسى أن تراقب حاله عن كثب.
مرت سفينة الملك في النهر وأخذت موسى إليها، فوجدته زوجة فرعون الذي كان يبحث عن طفل ليتبناه بعد أن عجز عن إنجاب ولد. كان فرعون وزوجته آسيا في غاية السعادة لأنهم وجدوا طفلاً، فقررا تبنيه.
2. موسى في قصر فرعون
نشأ موسى في قصر فرعون، ونشأت بينه وبين فرعون علاقة معقدة، إذ كان موسى عليه السلام في البداية بعيدًا عن تفاصيل الظلم الذي كان يمارسه فرعون على بني إسرائيل. وقد أعطت زوجة فرعون، آسيا، موسى حنانًا ورعاية، كما أن موسى كان يربى في قصر الملك من غير علمه بماضيه أو هويته.
مرت السنوات، وفي أحد الأيام، بينما كان موسى عليه السلام شابًا، وقع حادث كبير عندما قتل موسى رجلًا من فرعون عن غير قصد أثناء نزاع بين رجلين من بني إسرائيل. كان هذا الرجل من مصر، وقد دافع موسى عن شخص آخر، مما أدى إلى قتله. وفي اللحظة التي اكتشف فيها فرعون الحادث، أصبح موسى مهددًا بالقتل. فهرب موسى إلى مدينة مدين.
3. حياة موسى في مدين
عاش موسى في مدين بعد أن هرب من مصر، وهناك عمل راعيًا للغنم لدى رجل صالح اسمه شعيب عليه السلام. في هذه الفترة، تزوج موسى ابنة شعيب بعد أن أتم العمل مع والدها، وكان يعيش حياة هادئة إلى أن جاءه أمر الله العظيم.
بينما كان موسى يسير مع غنمه في جانب الجبل، شاهد نارًا في جانب الوادي، وعندما اقترب منها، فاجأه صوت من الشجرة، وأُمر بأن يخلع نعليه لأنه في الوادي المقدس. كان هذا بداية لبعثه نبيًا، وقد كلفه الله بأن يذهب إلى فرعون ليدعوه إلى الإيمان بالله وحده.
4. دعوة موسى إلى فرعون
أمر الله موسى بالذهاب إلى فرعون، ولكنه كان في البداية خائفًا ومترددًا، خاصة بعدما عارضه فرعون في المرة الأولى وقال له: “مَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ” (طه: 49). لكن الله تعالى أعطاه قوة وحجة عندما أراه الآيات الكبرى، مثل العصا التي تحولت إلى ثعبان ضخم، ويده التي أصبحت بيضاء من غير سوء، وغيرها من المعجزات التي جعلت فرعون يصر على رفض دعوته.
تحدى فرعون موسى عليه السلام بل وتكبر عليه، وأمر بقتل كل من يؤمن برسالة موسى. ومع ذلك، كان موسى صبورًا في دعوته، وتمسك بالهدوء، وأصر على توجيه دعوته إلى فرعون بعد أن أثبت له معجزات الله، فكان هذا صراعًا بين الحق والباطل.
5. الهجرة والخروج من مصر
مع تزايد عناد فرعون ورفضه للحق، أذن الله لموسى أن يخرج ببني إسرائيل من مصر ويهرب بهم من ظلم فرعون. ففي الليل، أمر الله موسى أن يخرج بأتباعه سراً. وعندما علم فرعون بذلك، أرسل جيشه لملاحقتهم. كانت اللحظات في غاية الحرج، فموسى عليه السلام مع بني إسرائيل أمام البحر، بينما جيش فرعون خلفهم، في وقت كان الظلام يخيم عليهم.
ولكن الله تعالى أمر موسى أن يضرب بعصاه البحر، فانفلق البحر إلى نصفين، ومرّ موسى وقومه بأمان، بينما أغرق الله فرعون وجنوده عندما حاولوا اتباعهم. وكان ذلك من أعظم الآيات التي أظهرها الله لنبيه وللبشرية.
6. التحديات في الصحراء
بعد الخروج من مصر، بدأ موسى عليه السلام وقومه رحلة طويلة في الصحراء. وكان قومه يعانون من القحط والعطش. فطلبوا من موسى أن يدعو الله ليحضر لهم الطعام، فأمر الله موسى أن يضرب بعصاه الحجر، فانبجست منه اثنا عشر عينًا، ليشرب منها كل قبيلة.
كما طلبوا طعامًا، فأرسل الله إليهم المن والسلوى. ولكن رغم هذه النعم، لم يتوقف بني إسرائيل عن التذمر، فكانوا يطالبون بمزيد من الطعام والماء، مما جعل موسى يشعر بالحزن والقلق من تجاهلهم للمعجزات التي أرسلها الله لهم.
7. الوصايا والتوراة
في رحلة الصحراء، ذهب موسى عليه السلام إلى جبل الطور، حيث مكث هناك أربعين ليلة، فأوحى الله إليه بالتوراة، التي كانت شريعة لبني إسرائيل. وفي غيابه، اتخذ قومه عجلاً من ذهب وعبدوه، فغضب موسى عليه السلام عندما عاد ورآهم يرتكبون المعصية. وعاقبهم الله بما يستحقون، ولكنهم تابوا وتقبلوا التوبة.
8. وفاة موسى عليه السلام
موسى عليه السلام عاش حياة مليئة بالتحديات والصبر، وأدى رسالته بكل إخلاص. توفي موسى عليه السلام قبل أن يدخل بني إسرائيل الأرض المقدسة (فلسطين). وبعد وفاته، تولى يوشع بن نون قيادة بني إسرائيل، واستمروا في مسيرتهم نحو الأرض التي وعدهم الله بها.
خاتمة
تعد قصة موسى عليه السلام من أروع قصص الأنبياء في القرآن الكريم، فهي تتسم بعِبر عظيمة ومواعظ هامة. تكمن العبرة الكبرى في صبره وتفانيه في دعوته رغم كل العقبات، وفي كيفية تصديه للطغيان بكل شجاعة وعزم. كما أن القصة تبرز قدرة الله العظيمة في حفظ عباده الصالحين، كما تعكس أيضًا التحديات التي يمكن أن يواجهها الداعية في حياته.
